أحد المواقف الصعبة أثناء تصميم تجربة الاستخدام لموقعٍ أو تطبيقٍ أو منتج، هو أن تقف حائرًا أمام قرارٍ ستفصل فيه بين أن يحصل المستخدم على هدفه بسهولة وبين أن يحصل العمل على احتياجاته أكثر. ففي أغلب الأوقات عبر التاريخ، لم تكن أهدافُ المستخدم أو المستهلك متوافقةً تمامًا مع أهداف العمل Business Goals.
في الواقع، هذا القرارُ الفاصل كان محط نقاشٍ بين مصممي تجارب الاستخدام لمدةٍ طويلة، كمصمم تجربة استخدام، لا بد أن تعمل على ضمان أفضل تجربةٍ للمستخدم لكن مع الحذر من أن تسبب الخسارةَ للعمل أيضًا.
لنأخذ مثالًا، في موقع حرفةٍ قانونية، يعود لمحامٍ على سبيل المثال، طلب منك المحامي “خالد” أن تعرض للمستخدم بعض النصوص القانونية الرتيبة متفرّقةً في أجزاء الموقع، وبصفتك مصمم تجربة استخدام، لاحظت أن هذه النصوص كانت أكثر وأطول من أن تكوّن تجربة استخدامٍ جيّدة، وعرفت بسهولة أن المستخدم لن يقرأ كل هذا، ورغم ذلك، إذا لم تفعل ما طلبه فهنالك بعض المشاكل القانونية التي قد تلحق بـ”خالد”.
لنسأل صاحب العمل
صاحب العمل، وفي هذه الحالة “خالد” يعرف عن مجاله أكثر مما ستفعل طوال حياتك على الأغلب، إنه يدرس دائمًا عن الأعمال القانونية وقد وجد بالتأكيد أن عدم إضافته لهذه النصوص ستكون خطأً مهنيًا.
هل نسأل صاحب العمل إذًا؟ اسأل صاحب العمل عن الأمور المتعلّقة بمجاله، تعلّم منه ما يلزم لمنافسة السوق، وادرس نصائحه عن كيفية بناء تجربة تتغلب على تجارب المنافسين.
على الجانب الآخر، لا تسأل صاحب العمل عن التصميم، إذا أردت إسعاد “خالد” عبر سؤاله عن كيفية التصميم فسيقول لك: ضع لنا نافذة منبثقة في أول صفحة تحتوي على وثيقة إرشادات استخدام موقعنا المكوّنة من سبعٍ وأربعين صفحة، بالتأكيد سيستمتع المستخدمون بقراءة هذا!
تذكر بأنك أنت المصمم، أخبر صاحب العمل ما تعرفه، ولا تقف في طريق معرفته أيضًا، أنت تعمل على إيجاد الحلول، جد طريقة المزج المناسبة بين معرفتك ومعرفة صاحب العمل واخرج بالحل المناسب.
المستخدم يعرف كل شيء
أحد الخرافات المنتشرة بشدةٍ في عالم تجربة الاستخدام هي: لنسأل المستخدم عن كل شيء! المستخدم يعرف ما يريد بالتأكيد، أليس كذلك؟ لا، في الواقع، رغم أن الاتجاه الجديد في تجربة الاستخدام هو الاعتماد على المزيد من آراء المستخدمين بجانب معرفة المصمم، إلا أن الواقع هو أنه في أغلب الأحيان كان الاعتماد على سؤال المستخدمين منفردًا سببًا للكوارث، سواءً بالطريقة المباشرة عبر استبياناتٍ أو عبر مجموعات التركيز Focus Groups أو بالطريقة غير المباشرة كالتركيز على معدل الزيارات والمشاهدات أو تحليل مستويات الاهتمام لمناطق الموقع.
لقد استخدمت مجموعات التركيز منذ زمنٍ طويل (قبل حوالي ستين سنة) لأهدافٍ متنوّعة، وكأي طريقةٍ لإجراء بحوث تجربة الاستخدام، لا بد من استعمالها بالطريقة الصحيحة وفي الوقت والمكان المناسبين، أحد الحقائق التي ثبتت عبر الزمن هو أن أغلب نتائج مجموعات التركيز كانت تتسبب بتحليلاتٍ خاطئة لما يفضّله المستخدمين، سأذكر مثالين حول مجموعات التركيز، وسيظهر من خلالهما الاستخدام الخاطئ والصحيح لهذه الطريقة.
في أبريل 1985 أطلقت شركة “كوكاكولا” مشروبًا جديدًا حمل اسم “The New Coke”، اعتمدت الشركة قبل ذلك على عشرات التجارب والتحليلات التي ارتكزت أساسًا على ما قاله المشترون، وليس ما فعلوه.
بعد ثلاثة أشهرٍ من الإطلاق، أعادت “كوكاكولا” النكهة السابقة تحت إطار منتجٍ جديد باسم “Coca-Cola Classic” نتيجة حصول النكهة الجديدة على ردات فعلٍ سلبية وعزوف عن الشراء وانخفاض هائل في الأرباح.
ليس كل ما يقول المستخدم بأنه يحبه سيشتريه بالفعل، وكذلك العكس، ليس كل ما يقول بأنه يكرهه لن يشتريه. كرسي “Aeron”الذي من المحتمل أنك تجلس عليه الآن كما أفعل أنا حقق ردات فعلٍ سلبية وتقييمات منخفضة قبل أن يُطلق رسميًا ليكون أحد أكثر الكراسي مبيعًا في تاريخ المنتجات المكتبية.
أحد المقولات الشهيرة لصانع أول سيارةٍ في عصر الخيول كانت:
لو سألت الناس عمّا أرادوه، لطلبوا أحصنةً أسرع. – هنري فورد
ومع أن الكثير من الكتّاب انتقدوا صحة هذه المقولة تاريخيًا قائلين بأنها لا تعود إلى هنري فورد، إلا أن هذه المقولة في سياق تجربة الاستخدام صحيحةٌ جدًا.
إذًا، كيف أوازن بينهما؟
لحلّ هذه المشكلة، هنالك ثلاثة عناصرٍ لا بد من مراجعتها:
- احتياجات العميل Business Needs: راجع الاحتياج الأساسي للعميل، تأكد من أن حل المشكلة التي اقترحته مقاربٌ لهذا الاحتياج، وتذكر أن تحاول تقريب احتياجات العميل إلى حلّك، لا تقريب حلّك إلى العميل.
- أهداف المستخدم User Objectives: مهام المستخدم أو أهدافه هي المقام الأول، فنحن بالطبع نعمل على تصميم تجربة استخدامٍ ترتكز على المستخدم أو ما يسمى بالـUser Centered Design (ويختصر إلى: UCD)، إن التصميم المرتكز على المستخدم يعتمد أساسًا في أغلب الأوقات على الملاحظة والمراقبة Observation.
- المعرفة بالعمل وموازنته: عُد إلى صاحب العمل، اسأله عن العمل وأهدافه، ألا يمكننا التخلي عن شيءٍ منها أو مقاربته إلى ما نريده في حلّنا؟ ولعلّ لدى صاحب العمل سببًا لقراره أو رأيه لم تكن محيطًا به.
الملاحظة تصنع الفرق
كما ذكرت، يعتمد التصميم المرتكز على المستخدم UCD على الملاحظة والمراقبة، دعني أذكر لك قصّة حقيقية، عندما أرادت شركة “Sony” أن تطلق جهاز الاستماع للموسيقى القديم Sony Walkman كانت محتارةً بين لونين للجهاز الجديد، إما أن تطرح الجهاز بلونٍ أسود أو بلونٍ أصفر.
جمعت لمعرفة اللون الأفضل مجموعةً من المستخدمين، وطلبت آراءهم في الجهاز الأجمل، أغلب المستخدمين قالوا بأن اللون الأصفر أفضلُ بكثير وأنهم سيشترون هذا اللون بالتأكيد، السبب في ذلك هو أن المستخدم يحس بأن الأشياء الملوّنة أجمل وأمتع.
لكن “Sony” قامت حينها بسلوك مراقبةٍ حماها من خسارةٍ ضارة في السوق، لقد وضعوا كشكرٍ للمشتركين كيسين من أجهزة الـWalkman في ممر الخروج، وطلبت من المستخدمين أخذ واحدٍ مجانًا، النتيجة؟ كل المشاركين إلا واحدًا أخذوا معهم الجهاز الأسود.
ماذا نستفيد من هذه القصة إذًا؟ عندما تريد الموازنة بين نجاح المنتج ورضا المستخدم، لا يكفي أن تسأل المستخدم أو تبحث في السوق، الملاحظة ستصنع الفرق الذي يعجب المستخدم ويُنجح العمل.
المصادر
- مقالٌ على موقع Coca-Cola Journey بعنوان “The Real Story of New Coke“.
- مقالٌ على موقع The Keyhole Blog بعنوان “Why Social Media Listening needs to be Integrated Across Departments“.
- مقالٌ على موقع Harvard Business Review بعنوان “Henry Ford, Innovation, and That Faster Horse Quote“
التعليقات اترك تعليقك على المقال 4 تعليقات
مقال رائع ومفيد للغاية،
عمل المصمم في هذه الأيام أصبح أكثر صعوبة وخاصة في الجزئية المتعلقة بالموازنة بين رغبات العميل واتجاهات السوق التي باتت تعتمد أكثر على معياري البساطة وإسعاد المستخدم عوض أسلوب الإبهار من النظرة الأولى الذي كان سائدا إلى وقت قريب.
تحياتي
أشكرُ مديحك للمقال أستاذ عيسى، أتّفقُ مع ما ذكرته وقد سعدتُ بمرورك وإضافتك.
مادة جيدة حقا. يستحق القراءة.
جيد