في عام 1981 قام العالمان عاموس تفيرسكي ودانيال كينسمان بإجراء تجربة شهيرة – أطلق اسميهما على تلك التجربة لاحقا – حيث تلاعبوا فيها بالسياق الذي يقدمون فيه المعلومات لعدد من المشاركين، رغبة منهم في معرفة تأثير ذلك على قراراتهم.
حاول الباحثين تحديد ما إذا كان من الممكن توجيه المشاركين نحو جواب معين من خلال الكلمات التي يختارونها بعناية في صياغة الأسئلة ام لا؟
لقد كانت نتائج تلك التجربة مذهلة !
كانت التجربة بسيطة في إجراءاتها، حيث سألوا المشاركين سؤال واحد ثم كان عليهم الاختيار من بين القرار A او B فقد كان لكل قرار نتيجه.
السؤال: بفرض تفشي مرض قاتل ومتوقع أن يتوفى 60,000 حالة، على المشاركين اختيار واحد من القرارات التالية:
- القرار A: لو تم تطبيقه سيعيش 20,000 شخص
- القرار B: لو تم تطبيقه فإن هناك فرصة ليعيش 33% ويموت 66%
المشاركون اختاروا القرار A
ولكن عندما سئلوا مرة اخرى نفس السؤال ولكن صيغت الاجابات بطريقة مغايرة، بدلاً من عرض أعداد من سيعيش صيغت الإجابات لتعرض أعداد المتوفين، فتم صياغة الإجابات كالتالي:
- القرار A : لو تم تطبيقه سيموت 40,000 شخص
- القرار B : لو تم تطبيقه فإن هناك فرصة ليعيش 33% ويتوفى 66%
كانت النتيجة أن المشاركين اختاروا الاختيار B، على الرغم من أن نتيجة تطبيق القرار A فى الصياغتين واحدة، سيعيش 20,000 حالة وسيموت 40,000 حالة.
أثر السياق على استقبال المعلومة
تجربة العالمان بيرنر ومينترن عام 1955 تظهر بشكل أوضح تأثير السياق على استقبال المعلومة، فقد عرض على عدد من المشتركين الصورة التالية …
الصورة تشمل حروف وارقام، لو لاحظت الرقم ” 13″ ستجد انه تم كتابته بشكل غامض، ولنكون دقيقين، فإنه في الصف الاول والثاني مكتوب بنفس الطريقة، هل يمكن أن تخبرني كيف قرأت الصورة؟
على الأرجح فلقد قرأت الصف الأول A B C وقرأت الصف الثاني 12 13 14 …
لقد استقبل عقلك الرقم 13 بناءاً على ما حوله من حروف أو أرقام، بغض النظر عن تكوين الرقم نفسه ورسمته، هل لاحظت أن الرقم 13 مكتوب بنفس الطريقة في الصفين ؟، وإن كنت موضوعياً في النظر لقرأت الرقم 13 في الصف الثاني كحرف B. ولكن هذا لم يحدث. هذا هو السياق !
هذا فيديو نشر على YouTube يوضح التجربة.
هل عنوان الفقرة يؤثر على معناها ؟
في احدى المقالات التي نشرت على مدونة theteamw، كتبت الفقرة التالية:-
“أولا عليك فرز العناصر في فئات، استخدم الألوان كطريقة لفرز تلك العناصر هو أمر شائع، ولكن ايضاً يمكنك فرز العناصر من خلال ملمسها، وبمجرد انتهائك من فرز العناصر، انت الان على استعداد لاستخدام المعدات، إن كنت تريد معالجة كل فئة على حدى، ضع كل فئة في الجهاز في وقت واحد.”
هل يمكن أن تخبرني عن ماذا تتحدث المقالة ؟ اعتقد من الصعب ان توضح هدفها، ولكن ماذا ان كتبنا عنوان قبلها ! …
تعليمات استخدام الغسالة الجديدة
“أولا عليك فرز العناصر في فئات، استخدم الألوان كطريقة لفرز تلك العناصر هو أمر شائع، ولكن ايضاً يمكنك فرز العناصر من خلال ملمسها، وبمجرد انتهائك من فرز العناصر، انت الان على استعداد لاستخدام المعدات، إن كنت تريد معالجة كل فئة على حدى، ضع كل فئة في الجهاز في وقت واحد.”
العناوين مهمة، انهم يوفرون السياق لما يأتي بعدها.
الرائحة – السياقية – المنتشرة حول المنتج وبداخلة !
من أهداف مرحلة دراسة المستخدمين في تجربة المستخدم ان يفهم مهندس تجربة المستخدم “السياق” أو الإطار الذي يستخدم فيه الناس المنتج / الموقع / التطبيق، لذا فهو يحقق ويتعمق كثيراً في دراسة البلدان التي ينتمون لها، خبراتهم في التعامل مع الحاسوب، مستوى الثقافة، وفي أي بيئة – العمل، المنزل، السيارة …- عادة ما يستخدمون فيها المنتج.
احد الابحاث التي اجراها جوان ليفي، روي تشو ولان جيانغ ونشرتها مجلة الابحاث علي المستهلكين في عام 2010 أظهرت أن مستوى الراحة التي يشعر بها المتسوقين عند وقوفهم على أرض المتاجر تؤثر على قرارهم في الشراء وتقييم المنتجات الموجودة على الأرفف ! ولا داعي لذكر ايضاً ان الرائحة المنتشرة في المتجر تؤثر على قرارات الشراء للمتسوقين. وبالتالي فإن البيئة التي يستخدم فيها الإنسان المنتج تؤثر على تقييمه بالايجاب او السلب لهذا المنتج.
هل كنت تعلم أن درجة حرارة الجو سواء كان اكثر برودة أو دفئاً تؤثر على تفاعلك مع الناس ؟ هذا ما توصلت اليه الابحاث التي قام بها هانز جزرمن و جن ر. سيمين والتي نشرت في مجلة علم النفس واظهرت ان الانسان قد يتعامل بطريقة باردة أو أكثر حميمية مع الناس عندما تكون درجة الحرارة أكثر دفئا أو برودة، اي ان درجة الحرارة ايضا تؤثر على تجارب الناس وتفاعلهم.
السياق هو الذي ينجح أو يفشل تجربة المستخدم
السياق والإطار الذي نقدم فيه اي شئ يؤثر على الطريقة التي يتلقى ويفهم بها الناس هذا الشئ، هذا الامر واضح بشكل كبير في علم اللغة وصياغة الكلام، فدائماً نقول إن للكلمة معنيان معنى معجمي و معنى سياقي.
هذه القاعدة “السياقية” لا تقتصر فقط على اللغة ولكن تعمم ايضاً على تجربة المستخدم.
سياق الاستخدام Context of Use هى الظروف الفعلية التي يتم فيها استخدام المنتج، أو كيف سيتم استخدام المنتج في الحياة اليومية للمستخدم.
انواع ” السياق” المؤثر في تجربة المستخدم
- سياق الجهاز: سيشكل الجهاز، شكله وخامته قدرات، طريقة المستخدم في التعامل معه، قبل اختراع شاشات اللمس للموبايل، كانت طريقة ادخال البيانات بلوحة المفاتيح والأسهم.
- سياق البيئة: استخدام المنتج في البيت يختلف عن استخدامه في الهواء الطلق خارج المنزل، الطقس والعوامل المحيطة تؤثر في التجربة الكلية.
- سياق الوقت: يمكن لتطبيق محطات القطار عرض معلومات حول القطار القادم بناءاً على الوقت الذي يفتح فيه المستخدم التطبيق، أو موقع فندق يعلن عن الغرف المخفضة والشاغرة في الوقت الذي يزور فيه المستخدم الموقع.
- سياق الفرد: القدرات الجسدية للمستخدم ذاته وإمكانياته العقلية تتحكم فى تصميم المنتج، فلا يجوز تصميم حقيبة لطفل في سن الحضانة تزن أكثر مما يتحمل.
- سياق المكان: يمكن لتطبيق فيسبوك ان يعرض نقاط الواي فاي مجانية الدخول والتي لا تتطلب كلمة مرور عندما تكون في الخارج ولست متصل بالانترنت.
الخلاصة
عالمنا متصل دائماً، تجربة المستخدم تتحرك إلى التركيز على التكيف مع السياق الذي يستخدم فيه المنتج بدلاً من التركيز على إنجاز المهمة فقط، حيث بدأت الأجهزة والمنتجات في التعلم والتكيف مع احتياجاتنا على أساس الموقف الحالي للمستخدم والسياق الذي يتم فيه استخدام المنتج. – اندرو سمايك
تصميم تجربة المستخدم انا اعتبرها كـ ألعاب الليجو، قطع من المكعبات، لا تشكل أي معنى وهي منفصلة، ولكن عندما تجمعها في شكل هندسي لـ بيت أو بناء تصبح لكل قطعة وزنها أن تحركت من مكانها أو تأثرت ينهدم البناء كاملاً. فهمك للسياق الذي يستخدم فية الناس المنتج يمثل قطعه هامة في بناء تجربة المستخدم.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهو يحافظ ويضمن السيطرة الكاملة على العناصر التي يستخدمها المصمم الجرافيكي لواجهة الاستخدام، كالألوان والمسافات و الكلمات المكتوبة على الأزرار التفاعلية … الخ، فقد يتسبب اقل عامل من هذه العوامل بقلب تجربة المستخدم رأساً على عقب.